القوى العالمية التي تؤثّر على القرارات الاستثمارية
يواجه المستثمرون اليوم تأثير أربع تحوّلات طويلة الأمد تُعيد رسم ملامح الاقتصاد والأسواق الماليّة. وغالباً ما يُشار إلى هذه القوى بـ"4Ds"، وهي تتألّف من إزالة الكربون وتفكيك العولمة والتحوّلات الديموغرافية والرقمنة.
إزالة الكربون (Decarbonization) تدفع الشركات والحكومات إلى خفض الانبعاثات والاستثمار في الطاقة النظيفة، ما يفتح المجال أمام فرصٍ واعدة في البنى التحتية للطاقة المتجددة والابتكار المناخي.
تفكيك العولمة (Deglobalization) يدفع الشركات إلى إعادة النظر في سلاسل الإمداد ونماذج الإنتاج، مع تركيزٍ أكبر على الشراكات الإقليمية والاستقلاليّة الاقتصاديّة.
التحوّلات الديموغرافية (Demographics) تُغيّر التركيبة السكانية، إذ تتجه المجتمعات المتقدمة نحو الشيخوخة، في حين تدفع الأجيال الشابة في الاقتصادات الناشئة كلّ من معدلات الاستهلاك والابتكار.
الرقمنة (Digitalization) تحوّل القطاعات الاقتصادية من خلال التكنولوجيا، بدءً من الذكاء الاصطناعي ووصولاً إلى الأتمتة، حيث يُعاد بناء الشركات وفق نماذج رقمية أولاً.
ليست هذه التوجهات عابرة، بل تُغيّر مسارات تدفّق رأس المال ومصادر خلق القيمة على المدى الطويل.
لماذا يتوجه المستثمرون خارج نطاق الأسواق العامّة؟
في ظل هذه التحوّلات الهيكليّة، بدأ العديد من المستثمرين يدركون أن المحافظ التقليدية لم تعد كافية. فمزيج الأسهم والسندات المدرجة في البورصة بات أكثر عرضةً لتقلّبات الأسواق وارتفاع الترابط بين الأصول. ببساطة، حين تتحرّك الأسهم والسندات في الاتجاه نفسه، تفقد استراتيجية التنويع قدرتها على توفير الحماية.
من هنا، يزداد التركيز على الأسواق الخاصّة. إذ تتيح الاستثمارات الخاصّة، بما في ذلك الأسهم الخاصّة والائتمان الخاصّ والبنية التحتية والعقارات، الوصول إلى شركات ومشاريع غير مدرجة في الأسواق العامّة، وغالباً ما تقدّم أداءً أكثر استقراراً وإمكانات لتنفيذ استراتيجيات طويلة الأجل لا تتأثّر كثيراً بالتطوّرات على المدى القصير.
بدأت الأسواق الخاصّة تحظى أيضاً باهتمامٍ متزايد من المستثمرين المؤسسيّين. فوفقاً لتقرير McKinsey Global Private Markets Review 2025، ارتفعت قيمة صفقات الأسهم الخاصّة عالمياً بنسبة 14% في 2024 لتبلغ نحو تريليوني دولار أميركي،[1] في ثالث أكثر الأعوام نشاطاً من حيث القيمة. وفي استطلاع حديث أجرته شركة Adams Street Partners، توقّع 85% من المستثمرين المؤسّسيّين أن تتفوّق الأسواق الخاصّة على الأسواق العامّة على المدى الطويل.[2]
وقد بدأت فرص الوصول إلى هذه الاستثمارات، التي كانت حكراً على المؤسسات الكبرى، تتوسّع تدريجياً. وتساهم The Family Office في قيادة هذا التحوّل من خلال أدوات رقميّة تتيح لعملائها في منطقة الخليج الاستفادة من فرص الأسواق الخاصّة بكل شفافية ومرونة وتحكّم.
ما الذي يميّز الأسواق الخاصّة؟
تتيح استثمارات الأسواق الخاصّة الكثير من المزايا التي تتماشى مع الواقع الاقتصادي الحالي:
تقلبات أقل: بما أنّه لا يتمّ تداول الأصول الخاصّة بشكلٍ يومي، فإنّ تقييماتها تكون عادةً أكثر استقراراً مع مرور الوقت.
تركيز على المدى الطويل: لا تخضع الشركات الخاصّة لضغوط الإفصاح عن نتائجها الربع سنويّة، ما يسمح للفرق الإداريّة بتنفيذ استراتيجيات طويلة الأجل دون التأثر بردود الفعل قصيرة المدى.
المزيد من التحكّم: يتمتّع المستثمرون في الأسواق الخاصّة بقدرة أكبر على التأثير في القرارات الجوهرية، سواء من خلال حقوق الملكيّة أو الهيكليّات المباشرة للإقراض.
بطبيعة الحال، تتطلّب الأسواق الخاصّة فترات استثمار أطول وتتميّز بسيولة أقل. إلا أن هذه المزايا قد تعزّز الانضباط وتحدّ من القرارات العاطفية، لا سيما بالنسبة للمستثمرين ذوي التوجه طويل الأمد.
أهمية الاختيار والخبرة
رغم الإمكانات الكبيرة التي توفّرها الأسواق الخاصّة، ليست الفرص المتاحة جميعها على المستوى نفسه. فالفرق في الأداء بين المديرين الأفضل والأسوأ أداءً يتّسع، ما يجعل دقّة الاختيار أكثر أهمية من أي وقت مضى.
أظهر تحليل حديث أجرته شركة StepStone Group أنّ معظم العوائد في سوق الأسهم الخاصّة بين عامَي 2010 و2022 تحقّقت عن طريق الهندسة المالية، من خلال الرفع المالي والتعديل في التقييمات.[3] لكن في المرحلة المقبلة، من المتوقّع أن تأتي العوائد بشكلٍ متزايد من تحسين العمليات وإعادة التموضع الاستراتيجي وجودة الإدارة.
بمعنى آخر، ليس مجرّد الوصول إلى الأسواق الخاصّة كافياً. يحتاج المستثمرون إلى شركاء متمرّسين وقادرين على تحديد الفرص المناسبة وتقييمها وإدارتها بكفاءة.
لماذا تكتسب الخبرة أهمية أكبر اليوم
في فترات عدم اليقين، تتحوّل الخبرة إلى ميزة جوهريّة. فعندما تكون الأسواق متقلّبة، لا تكفي مواكبة التوجّهات العامة. إذ يعتمد النجاح على البحث المُعمّق وإدارة المخاطر بدقّة والقدرة على التفكير بمنظور يتجاوز المدى القصير.
في The Family Office، قمنا على مدى أكثر من 20 عام بتطوير استراتيجيات استثمارية في الأسواق الخاصّة. ويستند نهجنا إلى الانضباط والدقّة في اختيار الفرص والتوافق طويل الأمد مع أهداف عملائنا. نتعاون مع أبرز مديري الأصول ونركّز على تحديد الاستراتيجيات التي توفّر عوائد مستقرّة وتكون معدّلة حسب المخاطر عبر مختلف دورات السوق.
ولا يقتصر دورنا على إتاحة الوصول إلى الفرص، بل يشمل أيضاً مرافقة عملائنا في كل المراحل بوضوحٍ وثقة.
نظرة إلى المستقبل: الاستثمار الهادف
يتطلّب الواقع الاستثماري اليوم نمطاً جديداً من التفكير. فالنجاح على المدى الطويل لا يتحقّق بردود الفعل على العناوين اليومية، بل بالتركيز على الأسس واتخاذ قرارات مدروسة واختيار الشركاء المناسبين.
تُتيح الأسواق الخاصّة للمستثمرين بناء محافظ أكثر مرونة واكتشاف فرصٍ غالباً ما تتميّز بالحصريّة. وبالنسبة إلى المستثمرين الذين يسعَون إلى تعزيز مستقبلهم المالي، فإنّ هذا المسار يتطلّب فهماً عميقاً وصبراً واستراتيجيةً واضحة.
في The Family Office، نرافقكم في مواجهة هذا الواقع الجديد لتتمكّنوا من الاستثمار بشكلٍ هادف وتنمية ثرواتكم بثقة.