مضمون الكلمة
خصّص باول جزءاً كبيراً من كلمته لتتبع مسار التضخم منذ جائحة كورونا. وشمل ذلك تفسيراً للإعلان الأوّلي، غير الصحيح، من قبل الفدرالي بأنّ التضخم سيكون "مؤقتاً" (نتطرّق إلى المزيد حول ذلك في نهاية المقال).
أمّا بالنسبة للحاضر، فقد خلُص باول إلى أنّ التضخم يبدو وكأنّه على "مسارٍ مستدام" نحو نسبة 2% المستهدفة. نتيجةً لذلك، تابع بأنّ الوقت قد حان ليعيد الفدرالي تركيز اهتمامه على مهمته الأخرى، وهي تعزيز الحدّ الأقصى للعمالة.
على الرغم من تسجيل معدل البطالة حالياً لأدنى مستوياته تاريخياً عند 4,3%، إلّا أنّه في ارتفاع في ظلّ تراجع إعلان الشركات عن وظائف شاغرة. وإذا ارتأى الفدرالي بأنّ السعر الحالي للفائدة قد يضرّ بالتوظيف، أوضح باول بأنّه لن يتردّد في خفض سعر الفائدة الأساسي وفقاً لذلك. وأكّد أن البنك المركزي لديه "مساحة كافية" لمواجهة مثل هذه التهديدات في حال ظهورها.
كيف تفاعلت الأسواق
لم يترك باول مجالاً للشك بأنّ خفض أسعار الفائدة قد يحصل إذ قال: "حان الوقت لتعديل السياسات فالاتجاه المستقبلي واضح، وسيعتمد كلّ من توقيت وسرعة خفض أسعار الفائدة على البيانات الواردة وتطوّر التوقعات وتوازن المخاطر".
بينما لم يقدم جدولاً زمنياً محدداً، كانت رسالته واضحة. فبالنسبة إلى السوق الأوسع، لم يعد السؤال ما إذا كان الفدرالي سيخفض سعر الفائدة المستهدف، بل مدى سرعة حدوث هذا التخفيض.
تتوقع الأسواق حالياً أن تكون أسعار الفائدة أدنى بنسبة 2% على الأقلّ من المستوى الحالي الذي يتراوح بين 5,25% و5,5% بحلول نهاية العام المقبل. ويُعتبر الآن خفض سعر الفائدة في الاجتماع القادم للفدرالي الذي سيُعقد في 17 و18 سبتمبر "مؤكداً"، مع توقع أكثر من ثلث المستثمرين خفضاً بنسبة 0,5%.
نظرة أوسع
ينصب تركيز الإعلام على متى وكم يُحتمل خفض أسعار الفائدة على المدى القصير. ومن منظور طويل الأمد، أهملت تعليقات السوق إلى حدٍ كبير السؤال الأكثر إثارة للاهتمام الذي تناولته كلمة باول.
ذلك السؤال هو لماذا فشل الاحتياطي الفدرالي، بالإضافة إلى الكثير من الجهات الخبيرة والمؤسّسات التي أشار إليها باول ممازحاً بما يُسمّى "السفينة الجيدة العابرة"، في توقع أزمة التضخم في المقام الأول؟
التفسير التقني معقد، لكنّه يتلخص في عدم القدرة على التنبؤ بسيكولوجية الإنسان. ويُعدّ التضخم موضوع "توقعات" (عامل عقلي يصعب التنبؤ به والسيطرة عليه) كما هو موضوع أبعادٍ رقمية قابلة للقياس كالكتلة النقدية وديناميكيّات التجارة.
أمّا الوصفة التي اقترحها باول لتجنب أخطاء مماثلة في المستقبل فبسيطة، وهي التواضع.
ينبغي على المستثمرين تفادي اعتماد نماذج ونظريات تكون في النهاية محدودة بقدرتها على تفسير العالم. وكما يقول المثل، الخريطة ليست هي الأرض.