وراء الأبواب المغلقة
بيّن المحضر الذي نُشر مؤخراً أنّ الاحتياطي الفدرالي أقلّ ثقة ممّا كان عليه في الأشهر السابقة. ورغم وجود صوتٍ معارضٍ واحد، إلّا أنّ الكثير من المسؤولين بدوا متردّدين حول إبقاء أسعار الفائدة على مستواها الحالي.
كان القرار النهائي، بحسب المحضر، "متوازناً بشكلٍ كبير".[1]
لماذا هذا التردّد؟ يعود السبب الرئيسي إلى عاملين:
1. يُنظر إلى التقدم في مكافحة التضخم على أنّه توقف خلال الربع الأخير من 2024، مع ازدياد خطر بقاء التضخم مرتفعاً.
2. لا يزال نهج الإدارة الأمريكيّة الجديدة حول التجارة والقوانين والسياسة الماليّة غير واضح.
تأثّرت الأسواق نسبيّاً لكن ليس بسبب قرار خفض أسعار الفائدة بحدّ ذاته، إذ كان متوقعاً ومرحباً به بشكلٍ عام، وإنّما بسبب التغيير الملحوظ في توقعات الفدرالي للعام المقبل.
ورغم التفاؤل بشأن النمو الاقتصادي والتوظيف، أظهرت التوقعات أنّ التضخم سيبقى مرتفعاً لفترةٍ أطول، ولن يصل إلى المستوى المستهدف عند 2% حتّى عام 2027. وبناءً على ذلك، توقّعت اللجنة خفضين فقط لأسعار الفائدة في 2025، مقارنةً بأربعة تخفيضات كانت متوقعة في السابق.[2]
الانطباع العام يعكس حالةً من عدم اليقين أكثر من التشاؤم. وكما قال رئيس الفدرالي جيروم باول في المؤتمر الصحفي: "يشبه الأمر القيادة في ليلةٍ ضبابية أو دخول غرفة مظلمة مليئة بالأثاث. ينبغي أن تُبطئ السرعة وحسب".[3]
البيانات
قد يبدو هذا التحوّل مفاجئاً. حتّى وقتٍ قريب، كانت العناوين الإخبارية تشير إلى تحسّن في معدلات التضخم. وهذا صحيح إذا نظرنا إلى التقدّم المحرز منذ ذروة عام 2022.
التغير السنوي في مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE) مقارنةً بالعام الماضي، شهرياً ومعدل موسمياً
المصدر: بنك الاحتياطي الفدرالي في سانت لويس
لكن إذا دقّقنا في عام 2024 تحديداً، يمكننا أن نرى بداية انعكاسٍ محتمل (بانتظار تأكيد الاتجاه) خلال الأشهر الأخيرة من العام.
المصدر: البيانات الاقتصادية للاحتياطي الفدرالي
في سبتمبر 2024، عندما خفض الفدرالي أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس للمرة الأولى، كان تضخم مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي عند 2,1%، وهو قريب جداً من الهدف. لكنّه ارتفع في نوفمبر إلى 2,4%، مع ارتفاع التضخم الأساسي لنفقات الاستهلاك الشخصي (باستثناء الغذاء والطاقة) إلى 2,8%.
في غضون ذلك، لمّح الرئيس المنتخب دونالد ترامب وفريقه حتّى الآن إلى سياسات متنوّعة قد تؤدي بعضها إلى زيادة التضخم.[4] على سبيل المثال، قد يؤدي تقييد الهجرة إلى زيادة الضغط على الأجور، وقد تؤدي زيادة التعرفات الجمركية بشكلٍ مباشر وغير مباشر إلى ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية.
التعليقات
بيّنت التصريحات الأخيرة لمسؤولي الفدرالي استمرار الانقسام في الآراء. عبّر كريستوفر والر، عضو في مجلس المحافظين، عن تفاؤله بانخفاض التضخم بغض النظر عن أي تعرفات جديدة.[5]
أمّا زميلته ميشيل بومان، فقد كانت أكثر صراحة في تسليط الضوء على مخاطر التضخم ومرونة سوق العمل.[6]
بدورها، أشارت بيث هاماك، وهي المعارضة الوحيدة للقرار الصادر في اجتماع ديسمبر 2024، في خطاب لها في وقتٍ سابقٍ من الشهر إلى أنّ "بعض العوامل التي كانت تُبقي على أسعار الفائدة المحايدة منخفضة بعد الأزمة المالية العالمية قد تكون انتهت أو انعكست".[7]
وأضاف رئيس الفدرالي في كانساس سيتي، جيف شميد، أنّ أسعار الفائدة قد تكون "قريبة جداً من مستواها الطويل الأجل الآن".[8] وإذا كان هذا صحيحاً، فقد يعني ذلك بقاء أسعار الفائدة حول 4% على المدى المتوسط، بدلاً من نسبة 3% التي يتوقعها الفدرالي رسمياً.
أمّا الأسواق، فهي تتوقّع تغييرات طفيفة في 2025، حيث تسعّر الأغلبية (72%) احتمال خفض واحد أو عدم حدوث أي خفض على الإطلاق.[9]
الخلاصة
النتيجة هي أنّه لا يُمكن لأحد أن يجزم بمسار أسعار الفائدة. فإذا تفاقم معدل البطالة بشكلٍ كبير، قد يُصبح خفض سعر الفائدة ضرورة. أمّا إذا عاد التضخم للارتفاع مع بقاء الاقتصاد قوياً، قد تبدأ الأسعار بالارتفاع من جديد.[10]
وكما هي العادة، نُفضل في The Family Officeتجنب التنبؤات ونُركّز على الأساسيّات. وإذا كانت هاماك مُحقة بأنّ هذه الأساسيّات تتغيّر، فإنّ الخيار الوحيد هو قبول حالة عدم اليقين والحفاظ على التنويع في الاستثمارات وتجنب التوقعات المتسرعة والإجماع المضلّل.