سنستعرض في هذا المقال الأسباب التي تجعل المتداولين واثقين من الخطوة القادمة للاحتياطي الفدرالي، كما سنشرح لماذا ما زال المستقبل بعد اجتماع أكتوبر مليئاً بالاحتمالات.
خلفيّة قرار سبتمبر
عادةً ما يُخفّض الفدرالي أسعار الفائدة عندما يكون الاقتصاد ضعيفاً والتضخم منخفض. في الوقت الحالي، يشهد الاقتصاد نموّاً في حين ما زال التضخم مرتفعاً، ومع ذلك، كان قرار سبتمبر بتخفيض الفائدة قراراً بالإجماع.[2]
وصف رئيس الفدرالي جيروم باول في بيانه الرسمي هذه الخطوة بأنّها "تأمين"، أي محاولة لتجنّب الركود المُحتمل.
يكشف البيان الصحفي الأوّلي[3] ومن ثمّ المحضر المنشور للاجتماع[4] أنّ المخاوف من حدوث ركود تستند بشكل مباشر إلى ضعف سوق العمل، حيث شهد صافي التوظيفات الجديدة انخفاضاً مستمرّاً على مدى الأشهر الماضية (كما يظهر في الرسم البياني أدناه)، وبلغت أرقام أغسطس 22 ألف، أي أقلّ من العدد المتوقّع وهو 75 ألف.[5]
التغيير في عدد الموظفين، إجمالي العمالة غير الزراعية، بالآلاف
في 5 سبتمبر، كشف التعديل الهبوطي المفاجئ خلق 911 ألف وظيفة أقلّ في الـ12 شهراً التي سبقت مارس 2025 مقارنةً بما أُعلن عنه سابقاً.[6]
انطلاقاً من تحذير رئيس الفدرالي باول في منتدى جاكسون هول،[7] أشار الأخير في خطاب له في 14 أكتوبر إلى أنّ الاقتصاد أكثر هشاشة ممّا قد تشير إليه أرقام النموّ.[8] تشبه البيئة التي تتّسم بمستويات منخفصة من التوظيف والتسريح لعبة الكراسي الموسيقيّة، حيث إذا توقّفت الموسيقى (أي في حال حصول تسريحات مفاجئة لعدد كبير من الموظفين)، فقد يُترك الكثيرون دون وظائف جديدة.
مجموعة مُنقسمة
يشير المُخطّط النقطي الأخير الوارد في التوقعات المُعدّلة للفدرالي إلى تخفيض آخر لأسعار الفائدة في 2025. ومع ذلك، فإنّ التوقعات الفرديّة متباعدة بشكل كبير، خصوصاً على المدى الطويل، حيث تتراوح تقديرات أسعار الفائدة المُحايدة بين 2,6% و3,9%.[9] كما توقّعت الأغلبيّة الضئيلة (10) تخفيضين آخرين على الأقلّ هذا العام، في حين أنّ الأقلّيّة الكبيرة (5) لم ترَ سبباً يستدعي مزيداً من التخفيضات.[10]
لماذا نشهد هذا الانقسام المُتزايد؟ يمكن للفئة التي تؤيّد التشدّد أن تشير إلى التضخّم الثابت والمستمرّ، الذي بقِي فوق المستوى المُستهدف لمدّة أربع سنوات ويرتفع تدريجيّاً هذا العام، بالإضافة إلى نموّ الناتج المحلّي الإجمالي، والإنفاق الاستهلاكي القوي،[11] وسوق الأسهم المُزدهر.
من ناحية أخرى، يمكن للفئة التي تؤيّد اللّيونة أن تشير إلى "ركود الوظائف" الظاهر في أرقام التوظيف المذكورة أعلاه، وتؤكّد أنّ التضخّم وحده يُعدّ سيناريو مفضّلاً على التضخم الركودي (أي التضخم مع الركود). لذلك، يُعتبر شراء "تأمين ضدّ الركود" بتكلفة التضخّم المُرتفع صفقةً معقولة.
التماثل مع شرودنغر
إنّ رئيس الفدرالي باول مضطرّ للتعامل مع غياب التوافق بين أعضاء لجنته وأيضاً مع حظر البيانات نتيجة لإغلاق الوكالات الفدراليّة المعنيّة، إذ لم تُنشر أحدث أرقام التوظيف (من مكتب إحصاءات العمل) أو التضخم (من مكتب التحليل الاقتصادي) في تواريخها المُحدّدة.
كما اقتبس باول في تصريحاته خلال المؤتمر الصحفي في سبتمبر من أسلوب سياسي شهير لوينستون تشرشل، قائلاً: "المتنبّئون متواضعون، ولديهم الكثير من الأسباب التي تدفعهم إلى التحلّي بالتواضع". فحتّى مع جميع البيانات التاريخيّة في العالم، لا يمكن التوصّل إلى توقّع موثوق، خاصّةً عندما نتعامل مع عنصر معقّد مثل الاقتصاد.
تشير الآراء المُنقسمة في اللّجنة الفدراليّة إلى مفترق حقيقي في الطريق الذي يجد اقتصاد الولايات المتّحدة نفسه فيه. مثل تجربة "قطة شرودنغر"، إنّ كلا السيناريوَين حقيقيّان بشكلٍ متساوٍ، ويجب علينا كمستثمرين التخطيط لكلا الاحتمالين.
[1] بنك الاحتياطي الفدرالي في سانت لويس
[2] الاحتياطي الفدرالي في الولايات المتّحدة
[3] الاحتياطي الفدرالي في الولايات المتّحدة
[4] الاحتياطي الفدرالي في الولايات المتّحدة
[7] الاحتياطي الفدرالي في الولايات المتّحدة
[8] الاحتياطي الفدرالي في الولايات المتّحدة