التطوّرات منذ يناير
لا يمكن إنكار التقدّم المُحرز على صعيد التضخّم منذ ذروته في منتصف 2022.
سواء احتُسب التقدّم من خلال مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي أو مؤشر أسعار المستهلكين، تراجعت الأرقام بحوالي الثلثين. ويرجع ذلك جزئيّاً إلى الاتّجاهات العالميّة كتيسير سلاسل الإمداد، ولكن أيضاً إلى الإجراءات السريعة والحاسمة التي اتّخذها الفدرالي عبر زيادة أسعار الفائدة على أمواله إلى المستوى الحاليّ بين 5,25% و5,5%.
منذ بداية العام، كانت الأسواق تتطلّع إلى تيسير ثابت للسياسة النقديّة. كان الفدرالي بنفسه قد توقّع أن يخفض أسعار الفائدة ثلاث مرّات هذا العام، مع أمل لدى بعض الجهات أن تبدأ هذه التخفيضات مبكراً في مارس. بالمجمل، كان من المتوقّع أن تنخفض أسعار الفائدة إلى ما يصل إلى 4% بحلول نهاية العام.[1]
مع ذلك، ارتفع في فبراير كلّ من مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي ومؤشر أسعار المستهلكين لقياس التضخم وابتعدا عن نسبة 2% المستهدفة.[2] يظهر محضر اجتماع الفدرالي في مارس قلق المسؤولين حول التوقّف الواضح للتقدّم، ويبدو أنّ البعض تساءلوا عمّا إذا كانت أسعار الفائدة مرتفعةً بما فيه الكفاية.[3]
علّق عضو اللّجنة توماس باركين في هذا السياق: "إذا شهدنا شهراً آخر كيناير أو فبراير، فقد يأخذنا هذا إلى اتّجاه مختلف تماماً من حيث موقفنا".[4] وذهب اثنان من زملائه إلى حدّ التساؤل عن الحاجة إلى خفض أسعار الفائدة أساساً في 2024.[5]
أحدث الأرقام
في 10 أبريل، صدرت أرقام مؤشر التضخّم لأسعار المستهلكين لمارس، حيث أظهرت ارتفاعاً بنسبة 3,5% مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي، أعلى ارتفاع ليس مقارنةً بفبراير وحسب (3,2%) بل الأعلى منذ ستّة أشهر. أمّا المؤشر الأساسي لأسعار المستهلكين الذي يستثني العناصر الأكثر تقلّباً، فبقي عند 3,8%.[6]
جاء ذلك بالإضافة إلى الأرقام الرسميّة للوظائف التي أظهرت أنّ سوق العمل (محرّك رئيسيّ للتضخّم عبر زيادات الأجور) استمرّ بالتسارع في مارس. كما تراجعت البطالة من نسبة 3,9% في فبراير إلى 3,8%، بينما ارتفع متوسّط الدخل في الساعة إلى 4,1% مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي.[7]
في حين أنّ أرقام التضخم في مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي لمارس لم تصدر بعد، يتوقّع الاقتصاديّون ارتفاع شهريّ بنسبة 0,3% في مؤشر النفقات الأساسيّة للاستهلاك الشخصي، ما يتماشى مع ارتفاع مماثل في فبراير.[8] كما من الممكن أن تتجاوز هذه الأرقام التوقعات عند صدورها في 26 أبريل.
في حين أنّ الأسواق استطاعت التغاضي عن البيانات الفاترة في الشهر الماضي باعتبارها غير حاسمة، إلّا أنّ أحدث الأرقام أدّت إلى وضع يصعب إنكاره، فالتقدّم توقّف.
التداعيات على الفدرالي
حتى الآن، أبقى الفدرالي على توقعاته حول خفض أسعار الفائدة ثلاث مرّات في 2024، ولكنّ نافذة تحقيق هذه الأنشطة تُغلق. فالمؤتمرات الحزبيّة المرتقبة في الصيف بالإضافة إلى الانتخابات العامّة في نوفمبر تزيد من دقّة الوضع.
بعيداً عن السياسة، ومن دون ركودٍ واضح يلوح في الأفق، يقلّ الحافز لخفض أسعار الفائدة لأسباب اقتصاديّة. بالعكس، نتخوّف من أن يكرّر الفدرالي الخطأ نفسه كالستينيّات عندما خفض أسعار الفائدة قبل أوانها، مؤدّياً إلى عقد أو أكثر من التضخّم الراسخ.[9]
ذهب جايمي دايمن، الرئيس التنفيذي لدى JP Morgan Chase، إلى حدّ تحذير مساهميه في رسالة حديثة من احتمال أن تبقى أسعار الفائدة والتضخّم عند مستوى مرتفع لفترة أطول ممّا توقّعه السوق. وأضاف أنّ البنك مستعدّ لـ"نطاق واسع جدّاً من أسعار الفائدة بين 2% و8% أو حتّى أكثر".[10]
كما أكّد الرئيس باول تقريباً أنّ موقف الفدرالي تغيّر منذ بداية هذا العام، مشيراً في 16 أبريل إلى أنّ تحقيق الثقة المطلوبة للبدء بخفض أسعار الفائدة "ربما سيستغرق وقتاً أطول من المتوقّع".[11] وحتى وقت كتابة هذا المقال، يُسعّر السوق وفقاً لاحتمال خفض أسعار الفائدة للمرّة الأولى في وقت لاحق في سبتمبر، مع توقّع خفض الأسعار مرّتين فقط هذا العام.[12]
الخلاصة
من حيث المدى القصير، ربّما أعطى الرئيس جو بايدن الجواب الأكثر حكمة عندما سُئل عن الخطوة التالية المحتملة للفدرالي، وكان جوابه: "لست متأكّداً، ولا نعلم ماذا سيفعل الفدرالي بالتأكيد".
لا يُمثّل عدم اليقين على المدى القصير مشكلةً إلّا لأولئك الذين يفكّرون في الاستثمار على المدى القصير. وننصح عملاءنا دائماً بالنظر إلى المدى البعيد كلّما أمكن. كما سترون أدناه، يبدو الوضع الحاليّ مختلفاً جدّاً بالنظر إلى العقود الخمسة الماضية، مقارنةً بالعقد الماضي فحسب.
المصدر: الاحتياطي الفدرالي في سانت لويس و Trading Economics
من الممكن جدّاً أن نكون على أعتاب مرحلة جديدة، كما أشار جايمي دايمن. نستعرض الآثار المترتّبة عن ذلك في دراستنا التقنيّة الحديثة تغيّر التوازن. وكما أوضحنا في هذا التقرير، يُسهّل المنظور طويل المدى التخطيط لمستقبل غير مؤكّد، إذا كان خياركم مناسباً من حيث الإستراتيجيّة ومجموعة الأدوات والفريق المخصّص لدعمكم.
[2] الاحتياطي الفدرالي في سانت لويس